للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية]

الحمد لله ربِّ العالمين، وفَّق من شاء من عباده لاتباع صراطه المستقيم، وتفرقت السبلُ بأقوام ضلوا السبيل، أحمده تعالى وأشكره وأُثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله.

أيها المسلمون: ومن الاتباع المذموم التعلقُ بعادات الآباء وتقاليد الأجداد، وإن كانت مخالفة لشرع الله، والتحاكم إلى السلوك والعوائد الموروثة واعتبارها فيصلًا في القضايا والخصومات -كلُّ ذلك ضربٌ من ضروب الجاهلية، ونوع من الاتباع المذموم، وقد ذم القرآن أولئك الذين تعلقوا بما عليه آباؤهم وحالت بينهم وبين التسليم والاتباع لشرع الله، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} (١).

ولقد شكَّل الاقتداءُ بما عليه الآباء حاجزًا دون اتباع المرسلين، وقبل لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يعاني من هذه التبعية الممقوتة: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (٢٣) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (٢).

وهكذا -إخوة الإيمان - ينبغي أن نفرق بين العوائد والموروثات، وبين العبادات والأحكام المشروعة في التحليل أو التحريم، وبين الطاعة بالمعروف للآباء


(١) سورة البقرة: الآية ١٧٠.
(٢) سورة الزخرف: الآيات ٢٣ - ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>