الحمد لله ربِّ العالمين، خلق فسوى، وقدّر فهدى، وله الحمدُ في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده مقاليد السماوات والأرض، وما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اتقوا الله معاشر المسلمين وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، ولباسُ التقوى خير وأبقى، واصدقوا مع ربكم في العلانية وما يخفى، فإن ذلك من علائم التقوى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.
عباد الله! بشراكم اليوم حيث تدركوا ليالي العشر الأخير من رمضان، وهي شامة العام، وغرّة في جبين الزمان، يقدرها حقَّ قدرها العالمون العابدون، ويتهاون بشأنها ويفرط في مغانمها الجاهلون العاجزون، إنها الموسمُ يتنافس فيها المتنافسون، وإنها التجارةُ المنجية من عذاب الله لمن وفقه الله، إنها فرصٌ تبتلى فيها الهمم، ويتبين فيها مريدو الآخرة، والمتعلقون بالدنيا.
إنها الفرصة الأخيرة في الشهر تحلُّ لتكون العزاء لمن فرّط في أول الشهر، أو التاج الخاتم لمن أصلح ووفَّى فيما مضى. أجل لقد كان خيرُ البرية محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذه العشر فوق ما يجتهدُ في غيرها، وقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن أم
(١) ألقيت هذه الخطبة في يوم الجمعة الموافق ٢٠/ ٩/ ١٤١٦ هـ، وأعيدت في ٢٢/ ٩/ ١٤١٧ هـ دون الثانية.