للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليلِ موحشةٌ مظلمةُ تملؤها هوامُّ الأرضِ ودوابُّها تتحركُ وتَسعَى!

وكمْ في أرض اللهِ منْ أممٍ وشعوبٍ تعيشُ أدْنى مستوياتِ الفقرِ، تتخذُ من أرصفةِ الشوارع مسكنًا، وتكتفي من الظلِّ بعِشاشٍ يُقامُ من العيدانِ والخِرقِ الباليةِ، ولا تسألْ عن نُدرةِ الطعامِ والشرابِ عندَ هؤلاءِ- فهلْ نتذكرُ بحرارةِ الجوِّ هذه الأيامَ مأساةَ هؤلاءِ، وما نحنُ فيه منْ نعمةٍ، وهلْ يكفي مجردُ التَّذكير السلبيِّ، أمْ لا بدَّ من شُكرٍ- على النعمةِ- بالقلبِ واللسانِ، ولا بدَّ منْ شكرٍ على المالِ ومدِّ يدِ المساعدةِ للمحتاجينَ المسلمينَ؟

معاشرَ المسلمينَ: إنَّ ما نُحسنُّ بهِ هذه الأيامَ منْ شدّةِ الحرارةِ إنما هو فَيحٌ ونَفسٌ من أنفاسِ جهنّمَ، فكيفَ بشدّةِ حرارةِ جهنَّمَ بكُلِّ أنفاسِها؟ فكيفَ بمنْ يُعذّبَ فيها؟ وكيفَ بمنْ هو خالدٌ فيها؟ نسألُ اللهَ العافيةَ.

وفي الحديثِ الصحيحِ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اشتكَتِ النارُ إلى ربِّها فقالَتْ: يا ربِّ أكلَ بعضي بعضًا، فأَذِنَ لها بنفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشتاءِ، ونَفسٍ في الصيفِ فهوَ أشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدونَ من الزمهريرِ» رواهُ مالكٌ والشيخانِ والترمذيُّ (١).

وفي روايةٍ عند الترمذيِّ: فأما نفَسُها في الشتاءِ فهو زمهريرٌ، وأما نفسُها في الصيفِ فسَمُومُ (٢).

هلْ تتذكرُ أيها المسلمُ بشدةِ الحرارةِ- إنَّ منَ الشمسِ أو النارِ البسيطةِ في الدنيا- شدَّةَ حرارةِ جهنمَ، وفي التنزلي: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} (٣).


(١) صحيح الجامع ١/ ٣٣٢ ح ١٠٠١.
(٢) صحيح الجامع ١/ ٣٣٢ ح ١٠٠٢.
(٣) سورة الواقعة، الآيات: ٧١ - ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>