تجهَّزي بِجَهازٍ تَبلُغينَ به ... يا نفسُ قبلَ الرَّدَى لم تُخلَقي عَبَثًا
هنا وبهذه الأفكارِ والتساؤلاتِ والإجاباتِ تعودونَ من رحلةِ الصيفِ وحرارتِه واعِينَ متفطِّنينَ شاكرينَ ذاكرينَ، ومن شكرَ فإنّما يشكرُ لنفسِه.
أيها المسلمونَ: خُلقَ الإنسانُ هَلوعًا فتراهُ يتضجّرُ من شدةِ الحرِّ إذا حلَّ الصيفُ ثم تراهُ متضجِّرًا من شدةِ البردِ إذا حلَّ الشتاءُ، وحالُه كما قالَ الشاعرُ:
يتمنّى المرءُ في الصيفِ الشتاءَ ... فإذا جاءَ الشتاءُ أنكرَهْ
فهو لا يرضَى بحالٍ واحدٍ ... قتِلَ الإنسانُ ما أكَفرَهْ
ألا وإنَّ الموفَّقَ منِ استفادَ من الصيفِ بطولِ نهارِه .. واستفادَ منَ الشتاءِ بطولِ ليلِه، وفضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ، ومنْ رضيَ فلهُ الرضاءُ ومن تسخَّطَ فعليه السُّخْطُ؟
لقدْ كانَ منْ هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم الإبرادُ بصلاةِ الظهرِ حينَ يشتدُّ الحرُّ رأفةً بالمسلمينَ، فهلْ يا ترى يرأفُ الأغنياءُ والموسرونَ بالفقراءِ الذين لا يتوفرُ عندهم منْ وسائلِ التبريدِ ما يتقونَ به حرارةَ الصيفِ؟
وإذا كانَ آباؤنا وأجدادُنا عاشوا حياةً بسيطةً، ومسَّتْهم البأساءُ والضّرّاءُ وربما تغيّرَتْ جلودُهم، واسودَّتْ وجوهُهم منْ لفحِ السَّمومِ وشدّةِ الحرِّ، فهلْ نُذكّرُ أبناءنا ما همْ فيه من نعمةٍ الآنَ، ليرعَوْها ويشكروا اللهَ عليها.
أيها المسافرونَ: وإذا فَررْتُم منْ حرِّ الصيفِ سائحينَ هنا أو هناكَ، فإياكُم أن تفِرُّوا من الجحيمِ إلى الجحيمِ، فحرارةُ الصيفِ منْ فيْحِ جهنمَ، ولكن مبارزةَ اللهِ بالمعاصي والفسوقِ والعصيانِ، واستبدالِ جحودِ النعمِ بشكرِها، والمعصيةِ بالطاعةِ كلُّ ذلكَ فرارٌ إلى جحيمٍ آخرَ، لا بدَّ أنْ يذكّرَنا به حرارةُ الصيفِ .. فارحلْ واستمتعْ وبرّدْ، وسِحْ في أرضِ اللهِ .. لكنْ مع صدقِ المراقبةِ واستحضارِ موجباتِ الخوفِ للهِ ..