بإزاء الروم وجمعتهم يبلغ مائتي ألف مقاتل، الأمر الذي جعل المسلمين -في البداية- يتشاورون أيقدمون على قتال العدو رغم قلة عددهم وكثرة عدوهم، أم يكتبون للنبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه، فإما يمدهم بالرجال، أو يأمرهم بأمره .. ولكن أحدَ قادتهم شجعهما على القتال قائلًا: والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظفر وإما شهادة.
فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع بقرية يُقال لها: مَشارف، فدنا العدو، وانحاز المسلمون إلى (مؤتة) فالتقى الناس عندها، ثم اقتتلوا، والراية في يد زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم وخرَّ صريعًا، وأخذ الراية جعفر - رضي الله عنه- فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها ثم قاتل حتى قتل، فكان جعفر أولَّ من عقر فرسه في الإسلام عند القتال، ويقال إن جعفرًا حين قطعت يمينه أخذ الراية بشماله، فقطعت يساره فاحتضن الراية حتى قتل (١)، ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة وتقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد، ثم نزل فقاتل حتى قتل -رضي الله عنه-.
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم -رضي الله عنه- فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجلٍ منكم -وقد استشهد الأمراءُ الثلاثة الذين عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أنت لها، قال ثابتٌ: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد سيف من سيوف الله -كما قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة فدافع القوم، وحاش بهم، ونازل الأعداء وأوقع بهم حتى ثبت أنه انكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف، وما بقي في