عشيرتَهم، ذلك الجيلُ كانوا باختصار: فرسانًا بالنهار، رهبانًا بالليل.
وجيلٌ تلك بعضُ سِمَاتِه حَرِيٌّ بالنصر، وخليقٌ بأن يخافَهم العدوُّ، ويفتحوا الأقاليمَ وينشروا دينَ الله. لكن ماذا جرى على مَن بعدَهم ممن هزمهم الأعداءُ وفرَّقوهم شِيَعًا، لقد أضاعوا الصلاةَ واتَّبعوا الشهواتِ، تعلَّقوا بالدنيا وتنافسوها، كَرِهوا الموتَ وأُصيبوا بالوَهْن، الشبابُ طَغَوْا بشبابِهم، بل ربما أمضَوْه في اللهوِ والترف، والكهولُ تعاجزوا وتباطئوا، والأغنياءُ بَخِلوا، والفقراءُ ذلُّوا بالمسألةِ وتشاغلوا بها، والنساءُ تسابقنَ إلى المُوضةِ وتعلَّقنَ بالتوافهِ من الأمور، بل أصبح بعضُهنَّ مَثارًا للفِتْنة ومحطةَ للتقليد وزُبالةِ القيَم والأفكارِ البالية المستورَدة. طاش ميزانُ الولاءِ والبراءِ .. وأصبح استِجداءُ العدوِّ وتقديمُ العونِ له أمرًا ظاهرًا. استهان بهم العدوُّ فاحتلَّ أرضَهم، بل تطاولَ إلى التدخُّل في شئونِهم الخاصة، واتَّهمهم بل تطاولَ على دينِهم ونبيِّهم صلى الله عليه وسلم.
وجيلٌ تلك بعضُ سِمَاتِهم أنَّى يُنصَرون.
أيها المسلمون: ومع ذلك فالخيرُ باقٍ في هذه الأُمةِ، وثَمَّةَ من يَأنَفُون من هذا الواقعِ، والمسلمون بشكلٍ عامٍّ باتوا يتململون ويُدرِكون أكثرَ حجمَ الخَطَر المُحدِق، والفرصةُ أمامهم للإصلاح والعَوْدة إلى الله مُشرَعة الأبواب، والنماذجُ الصادقة للسلفِ والخَلَف تَغْذُو سيرَهم، وفي تجاربِ المسلمين- عبرَ القرون- مع أعدائهم ما يُحفِّزُهم على النهوضِ والاستعلاء، واللهُ غالبٌ على أمره، ولَيَنصرنَّ اللهُ من ينصرُه، وجندُ الله هم الغالبون، والعاقبةُ للمتقين.
عباد اللهَ: وكم هو جميلٌ هذا العنوانُ الذي عبَّر به الكاتبُ عن وصفِ أحوالِ المسلمين اليومَ بهذا التعبير (المستَضعَفُون الأقوياءُ) ثم قال: مُخطئ من يظنُّ أن المسلمين الصادقين أصبحوا لُقْمةً سائغةً في أيدي أعدائهم، ومغرورٌ من يُمنِّي نفسَه بسهولةِ المعركة الطويلةِ معهم، وواهمٌ أو مُغفَّل من يعتقدُ أن تلك المعركةَ