به، فإن المكروهَ إذا ورد على النفسِ فإن كانت صغيرةً اشتغلت بفكرها فيه وفي حصوله عن الفكرةِ في الأسباب التي يدفعها به فأورثها الحزن، وإن كانت نفسًا كبيرةً شريفةً لم تُفكِّر فيه، بل تصرفُ فكرِها إلى ما ينفعها فإن علمتْ منه مخرجًا فكَّرت في طريق ذلك المخرجِ وأسبابهِ وإن علمت أنه لا مخرج منه فكرت في عبوديةِ اللهِ فيه وكان ذلك عوضًا لها من الحزن.
عبادَ الله وإذا كان هذا مخرجًا عمليًا من الأحزانِ، فثمة مقدمةٌ وأساس لهذا المخرج لابد من توفره، وبه يُعان المرءُ على تجاوز أحزانه ألا وهو معرفةُ الله بأسمائه وصفاتِه، والتوكلُ عليه، وحده، وعدمُ قطعِ حبلِ الرجاءِ معه، قال بعضُ العارفين: معرفةُ اللهِ جَلَا نورُها كلَّ ظلمة، وكشف سرورُها كلَّ غمة» فإن من عرف اللهَ أحبَّه ولابد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائبُ الظلمات وانكشفت عن قلبه الهمومُ والغمومُ والأحزان، وعَمرَ قلبهُ بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفودُ
التهاني والبشائرِ من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدًا -مهما ادلهمت الخطوب، واشتد الخصوم.
أليس خيرُ البرية يقول لصاحبه «لا تحزن إن الله معنا».
والكفار يطاردون محمدًا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه حتى يقفوا على فمِّ الغار الذي يختفي فيه وحينها يقول أبو بكر رضي الله عنه:«والله لو نظر أحدهم إلى موضوع قدميه لأبصرنا» فيرد عليه {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(١).
ويوسف عليه السلام يؤذى من أقرب الناس إليه، ويُباع ويشترى بأبخس الأثمان وهو الكريمُ ابنُ الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ثم يُؤذى في عِرضه وتلحقه التهمة