للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي البريءُ العفيفُ الطاهر، ويُصر الملأ على سجنه من بعد ما رأوا الآيات حتى لا تنفضح امرأة العزيز، ويأسف أبوه لحاله ويقول: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}، ومع مكوثه في السجن بضع سنين يظل صابرً محتسبًا، بل ويظل خيِّرًا صادقًا داخلَ السجن كما كان خارجه ويعترف له من بالسجن بالصلاح والتقى وفضلِ العلم والهدى وينادى بـ «أيها الصديق»، ولا يمنعهُم سجنُه أن يستفتوه فيما أشكل عليهم حين أراد اللهُ براءته وإخراجه من السجن على الملأ، بل لقد ظل عليه السلامُ داعيًا إلى الله، لم تقعد به الأحزان أو تقطعه الهمومُ عن مواصلة السير إلى الله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (١).

وهكذا فمن تأمل حياة الأنبياء أو حياة أتباعهم من المجاهدين الصادقين لم يجد للحزن واليأس في قلوبهم طريقًا مع شدة البلوى وعظيم المُصاب.

إخوة الإسلام، وهاكم مخرجًا ثالثًا شرعيًا من مخارج الهم والغم أرشد إليه المصطفى صص بكلمات نافعة، حين دخلَ المسجدَ ذات يومٍ، فإذا هو برجلٍ من الأنصار يقال له أبو أمامة- جالسًا فيه- فقال: «يا أبا أمامة: ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاةٍ؟ قال: همومٌ لزمتني، وديونٌ يا رسول الله، قال: ألا أعلمك كلامًا إذا قلتها أذهب الله عز وجل همَّك وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسولَ الله، قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، فقلت ذلك فأذهب اللهُ همي وقضى عني ديني» (٢).


(١) سورة يوسف، آية: ٣٩.
(٢) أخرجه أبو داود وهو حديث حسن (جامع الأصول ٤/ ٢٩٥، ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>