للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوسُ، إنه صوتُ الحمار: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (١)، فعلوُّ صوت الحمار لم يُحسنه بل قبَّحه وشانه، ولذلك ينبغي أن يخفض العقلاء أصواتهم حين حديثهم ... وما من شك أن الكلمة الطيبة تبلغ مبلغها وينفع اللهُ بها - وإن كانت هادئة - والكلمة الخبيثةُ تُضِلُّ وتسيء وإن بالغ أصحابُها في رفع أصواتهم، ... وإذا عُدَّ في مساوئ الآداب أن يجري ذكرُ الحمار في مجالس الكرماء ... أفيليق التشبه به برفع الصوت في النُّطق، ذلك توجيه ينبغي أن يعيه الآباء والأبناء.

وبعدُ: أيها المؤمنون - فهذه وصايا نافعةٌ جدًا، وهي من قصص القرآن عن لقمان الحكيم ليتمثلها الناسُ ويقتدوا بها كما قال الحافظُ ابن كثير (٢).

ألا ما أحوج الآباء والمربين إلى الوقوف عندها طويلًا لفهمها والعمل بمقتضاها، وخليق بمن أوصى بهذه الوصايا أن يكون مخصوصًا بالحكمة، مشهورًا بها - وخليق بالعقلاء أن يستفيدوا من حكم الحكماء .. كيف لا وقد أصبحت قرآنًا يُتلى، وتوجيهًا إلهيًا .. فهل يعقل الآباءُ هذه الوصايا .. وهل يستفيدُ الأبناءُ منها، ذلك هو المؤملُ والمرتجى، والله من وراء القصد.

أيها المسلمون: وأنتم تعيشون شهرَ شعبان، فيحسن التذكيرُ بشيء مما جاء فيه عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم كثرةُ الصيام في شعبان. فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصومُ شعبان كلَّه ... » (٣).


(١) سورة لقمان، الآية: ١٩.
(٢) التفسير: ٣/ ٧٣٥ - ٧٣٧.
(٣) جامع الأصول: ٦/ ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>