وأخرج النسائيُّ - بسند حسنٍ - من حديث أسامةَ بن زيد رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله: لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصومُ من شعبان! قال: «ذلك شهرٌ يَغْفَلُ الناسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يرفعَ عملي وأنا صائم»(١) ولمزيد توضيح ذلك قال ابنُ القيم يرحمه الله في «تهذيب السنن»:
وفي صومه صلى الله عليه وسلم شعبان أكثر من غيره ثلاثُ معان:
أحدها: أنه كان يصومُ ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، فربما شُغل عن الصيام أشهرًا، فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل صيام الفرض.
الثاني: أنه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، وهذا الصومُ يُشبه سنة فرضِ الصلاة قبلها تعظيمًا لحقها.
الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمالُ، فأحبَّ صلى الله عليه وسلم أن يُرفعَ عملُه وهو صائم، ثم يقول: والحديثُ يدل على فضل الصوم في شعبان. وقولُ عائشة:«وكان يصوم شعبان كلَّه» المرادُ بالكلِّ: أكثرهُ، كما جاء في الرواية الأخرى:«كان يصومُ شعبان إلا قليلًا».
إلى أن يقول: ولا تعارض بين هذه الأحاديث، وبين أحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، وحديث:«إذا انتصف شعبانُ فلا تصوموا» وهو حديث على شرط مسلم، بأن يُحمل النهيُ على من لم تكن له عادةٌ في الصيام من أول شعبان، فجاء النصفُ الثاني وأراد أن يصوم هذا في التطوع، أما إن كان عليه قضاءٌ أو نذرٌ فيجوز له القضاءُ ولو بعد النصف الثاني.
وأحاديثُ الجواز تُحمل على من اعتاد الصوم من أوله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إلا
(١) جامع الأصول: ٦/ ٣١٩، الصحيح المسند من أحكام الصيام: ٣٧.