للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشبه القلوب بالأودية لأنها محل العلم، كما أن الأودية محل الماء، فقلب يسع علمًا كثيرًا، وواد يسع ماءً كثيرًا، وقلب يسع علمًا قليلاً، وواد يسع ماءً قليلاً، وأخبر تعالى أنه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء وأنه يذهب جفاءً، أي يرمي به ويختفي، والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر، وكذلك القلوب تخالطها الشهوات والشبهات، ثم تذهب جفاءً، ويستقر فيها الإيمان والقرآن الذي نفع صاحبه والناس- إلى آخر كلامه- رحمه الله (١) ..

ومن وظائف الرسل- عليهم السلام- كذلك تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة، فحين كان الناس على التوحيد الخالص لله، والفطرة السليمة التي فطرهم الله عليها، لم يحتاجوا إلى مرسلين فلما تفرقوا واختلفوا، ومالوا عن التوحيد إلى الشرك بعث الله فيهم المرسلين لتصحيح عقائدهم، وتقويم ما انحرف من أفكارهم، يقول تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (٢)، أي كانوا أمةً واحدةً، فلما اختلفوا أرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين.

وقد واجه الأنبياء- عليهم السلام- مع أقوامهم من الشدة والأذى في سبيل إصلاح معتقداتهم وتقويم ما انحرف من سلوكهم ما الله به عليم، فهذا ينكر عبادة الأصنام ويبطلها بالحجة والبرهان، ونبي آخر ينكر على قومه الاستعلاء في الأرض- كما فعل هود عليه السلام- وثالث ينكر على قومه الفساد في الأرض واتباع المفسدين- كما هو شأن صالح عليه السلام- ونبي يحارب جريمة اللواط التي انتشرت في مجتمعه كما فعل لوط عليه السلام، وخامس يقاوم جريمة التطفيف في المكيال


(١) الفتاوى ٩/ ٩٣ - ٩٦، الرسل والرسالات/ ٣٤.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>