للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقف علمه -سبحانه- بكونها ذكرًا أو أنثي، بل يعلم قدرها وأجلها وفقرها وغناها، وشقاها وسعادتها، وحيث أطلق علمُ اللهِ فيها بقوله: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} (١). فهو شاملٌ لكل ما يتعلق بهذه النطفة منذ بدء تكوينها إلى نهاية حياتها، وإلى أن تنتهي إلى المصير المقدر لها في الجنة أو في النار، وهذا ما يقف البشر عاجزين عن معرفته مهما تقدمت بهم وسوائل المعرفة، إذ هو من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله - وهذه النطفة بما فيها من أسرار وإعجاز، وكثرة وانتشار في الأمم الخالية واللاحقة هينة على الله في خلقها وفي بعثها وكأنه لم يخلق إلا نفسًا واحدة: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (٢).

وفي ذلك ردٌّ على المنكرين للبعث، الذين جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم يقولون إن الله خلقنا أطوارًا، نطفةً ثم علقةً ثم مضغةً ثم عظامًا، ثم تقول: إنا نبعث خلقًا جديدًا جميعًا في ساعة واحدة، فأنزل الله هذه الآية، والله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد، بل يقول للقليل والكثير كُن فيكون (٣).

عجبًا لك يا ابن آدم إذا اشتد عودك، وكملت قواك، نسيت الذي خلقك من ضعف، وبدأت تجادلُ وتخاصم ناسيًا أو متناسيًا أصل خلقتك، وسرِّ العظمة في بداية تكوينك، {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)} (٤).


(١) سورة لقمان، الآية: ٣٤.
(٢) سورة لقمان، آية: ٢٨.
(٣) تفسير القرطبي ١٤/ ٧٨.
(٤) سورة يس، الىيتان: ٧٨، ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>