للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستشفون به من كلِّ داء، والله يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (١).

أجل إنه القرآن يذهب ما في القلوب من أمراض الشكِّ والنفاق والشركِ والزيغِ والميل، وهو رحمةٌ يحصل فيها الإيمانُ والحكمةُ وطلبُ الخير والرغبةُّ فيه، ولكن ليس ذلك إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه- كذا قال العارفون (٢).

وهو أحسن الحديث: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (٣).

أفيليق يا عبادَ الله أن تتصدعَ الجبال الراسيات لعظمة القرآن، وتخشعَ الحجارةُ الصمُّ لو نزل عليها هذا القرآن، وتظلُّ قلوبُ البشر صلدةً لا تهزها قوارعُ القرآنِ، ولا تؤثر فيها مواعظُ الذكر الحكيم، ويختم المسلم كتابَ اللهِ ويهذُّه هذَّ الشعر وربما لم تنزل منه دفعة أو يقشعر له جلدٌ، فضلًا عن إصلاح حياته، أو تهذيب سلوكه وفق توجيهاتِ القرآن، ولو كان في الكتب الماضية كتابٌ تُسيرُ به الجبالُ عن أماكنِها، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تُكلَّمُ به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآنُ هو المتَّصفُ بذلك دون غيره، لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيعُ الإنسُ والجنُّ عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا


(١) سورة الإسراء، آية: ٨٢.
(٢) تفسير ابن كثير ٣/ ٩٩.
(٣) سورة الزمر، آية: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>