للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الدنيا الدنيةُ حكم اللهُ بفنائها، وقدَّر على الإنسان نصيبه من الكبدِ فيها، وليس يسلم أحدٌ من همومِها وأكدارها ومنغصات العيش فيها، ومن رام غير ذلك فيها فهوُ مكلِّف الأيامِ ضد طباعها، ومن عيونِ الشعر وحكمه قولُ الشاعر:

حكمُ المنيةِ في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بدار قرار

جبلت على كدر وأنت تريدها ... صفوًا من الأفذاء والأكدار

بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا ... حتى يرى خبرًا من الأخبار

ومُكلِّفُ الأيامِ ضد طباعها ... متطلبٌ في الماءِ جذوةَ نارِ

وإذا رجوتَ المستحيل فإنما ... تبني الرجاءَ على شفيرٍ هاري

فالعيشُ نومٌ والمنيةُ يقظةٌ ... والمرءُ بينهما خُيال ساري

والنفسُ إن رضيتْ بذلك أو أبتْ منقادةٌ بأزمةِ المقدار

فاقضوا مآربكم عجالًا إنما ... أعمالكم سفرٌ من الأسفار

ليس الزمان وإن حرصت مسالمًا ... خُلُقُ الزمانِ عداوةُ الأحرار

عبادَ الله وحديثي إليكم اليومَ عن حالةٍ نفسية، وخطرات قلبية تمرُّ بنا جميعًا، ومنا المكثرُ فيها ومِنا المُقل، وتختلف لها الدوافعُ والمواقف، إنه حديثٌ عن الحَزَن المرادفِ للهم، فما يعني الحزن؟ وماذا يجوز من الحَزَن وماذا يُمنع؟ وما يُحمد منه وما يُذم؟ وكيف نتقي الحزنَ المذمومَ وندفعُه؟

قال العارفون: الهمُّ والحزنُ قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يُستقبل فهو الهم.

والحزن انخلاعٌ عن السرور، وملازمةُ الكآبةِ لتأسفٍ على فائتٍ أو توجعٍ لممتنع، وهو من عوارض الطريق، وليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمرُ اللهُ به في موضع قطُّ، ولا أثنى عليه، بل نهى عنه في

<<  <  ج: ص:  >  >>