للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها ولا ألقى إليها باله ولا شغل بها نفسه وفكره ..

أيها المسلمون يدعو المسلم كذلك للبعد عن التطير والتشاؤم قطعُ وساوس الشيطان، وبعده عما يُفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه وتأمل هذا الوصف الرائع من عالمٍ فقيه، لحال المتطير المتشائم يقول ابن القيم رحمه الله: «واعلم أن من كان معتنيًا بها- يعني الطيرة- قائلًا بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدره، وتفتحت له أبوابُ الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يُفسد عليه دينه، وينكدُ عليه عيشه .. إلى أن يقول: وحال من تطير وتشاءم كحال من غلبته الوساوس في الطهارة فلا يلتفت إلى علمٍ ولا إلى ناصح، وهذه حالُ من تقطعت به أسباب التوكل وتقلص عنه لباسه، بل تعدى منه، ومن كان هكذا فالبلايا إليه أسرع، والمصائب به أعلق، والمحنُ له ألزم، ثم ينتهي إلى توصيفه بقوله والمتطيرُ مُتْعبُ القلب، منكرُ الصدر، كاسف البال، سيءُ الخلق يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفًا، وأنكدهم عيشًا وأضيق الناس صدرًا وأحزنهم قلبًا، كثيرُ الاحتراز والمراعاة لما لا يضره ولا ينفعه، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظٍ، ومنعها من رزقٍ، وقطع عليها من فائدة» (١).

أيها المسلمُ ربما ندم المتطير مما تطير منه، واعتذر استحياءً ممن تطير به، ومن طريف ما يُروى عن بعض الولاة أنه خرج في بعض الأيام لبعض مهماته، فاستقبله رجل أعور، فتطير به وأمر به إلى الحبس، فلما رجع من مهمته ولم يلق شرًا أمر بإطلاقه، فقال له (المحبوس) سألتك بالله ما كان جرمي الذي حبستني


(١) مفتاح دار السعادة ٢/ ٢٣٠، ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>