للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو لم يثبت إلا تعظيمَ موسى ومحمدٍ عليهما الصلاة والسلام، لكفى لتعظيمِ هذا الشهرِ، ويكفي أن يتذكر المسلمون انتصار فئةٍ من المؤمنين واستعلائهم بالإيمان، وهلاكَ الطغاةِ- ورمزُهم فرعون - وهزيمة جندِهم المبطلين.

الوقفة الثانية: ومع تعظيمِ الأنبياء لعاشوراء من شهرِ الله المحرم، فقد كان الجاهليون يُعظمون هذا اليومَ أيضًا، جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي لله عنها قالت: كان يومُ عاشوراء تصومه قريشٌ في الجاهلية وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينةَ صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضانُ ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه (١).

فما السرُّ يا تُرى في صوم قريش الوثنية لعاشوراء ولم يكونوا أهل كتاب، وصلتُهم ضعيفةٌ بأهل الكتاب؟

قال القرطبي يرحمه الله: لعل قريشًا كانوا يستندون في صومه إلى شرعِ من مضى كإبراهيم، وصومُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقةِ لهم كما في الحج، أو أذن اللهُ له في صيامه على أنه فعلُ خير .. ويحتمل غيرَ ذلك (٢).

وقال ابنُ حجر: وأما صيامُ قريشٍ لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرعِ السالف، ولهذا كانوا يعظمون بكسوةِ الكعبةِ فيه وغير ذلك، قال: ثم رأيتُ في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سُئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبًا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء، يُكفرْ ذلك- هذا أو معناه- اهـ (٣).


(١) الصحيح مع الفتح ٤/ ٢٤٤ ح ٢٠٠٢.
(٢) الفتح ٤/ ٢٤٨.
(٣) الفتح ٤/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>