للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادَ الله! وفي فتراتِ ضعفِ الأمةِ المسلمة يتميز الصفُّ المسلمُ، وينكشفُ من اندس بين المسلمين وليس منهم، ومن كان يستطيع الانضمامَ إليهم في فتراتِ قوتهم، ويعجز عن مواصلةِ السير معهم في حال ضعفِهم وغلبة عدوهم عليهم.

وقد قصَّ اللهُ علينا في كتابه نبأ طائفةٍ من الناس يتربصون بالمسلمين الدوائر، وهم مع من غلب، فقال تعالى فاضحًا المنافقين: {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب اقلوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا} (١).

وإذا استُثني المنافقون ومن في قلوبهم مرضٌ، فإن مرحلةَ الضعفِ حَرِيَّةٌ بأن تزيدَ في تماسكِ الصفِ المسلمِ، وتأليفِ قلوبهم، وحَرِيَّةٌ بأن تدعوهم إلى الانكسار والتضرع لله في رفع النازلةِ وكشفِ الغمة، لا أن تقسوَ قلوبُهم، أو ما يستمرءوا ما هم فيه من ذلةٍ ومهانة، وهذه الأمةُ كغيرها من الأمم تُمتحن بالسراء والضراء، ويذكرون بمن أخذ من الأممِ ليعتبروا بها، ويقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون* فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون* فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} (٢).

ويذكرنا القرآنُ بقيمةِ التوبة والذكرى في حالِ الفتنِ المتلاحقة يقول تعالى مُنكرًا على فئةٍ من الناس في قلوبهم مرض: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة


(١) سورة النساء، آية: ١٤١.
(٢) سورة الأنعام، الآيات: ٤٢ - ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>