للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصراط المستقيم وسُبل الضلال، ونماذج لأصحاب الجحيم.

عباد الله! وكم هو عظيم كتاب الله، وكم هي موقظة أمثال القرآن، وفيه من أمثال قوله تعالى: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} (١).

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال -في تفسير هذه الآية- هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها، والدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز وجل، كمثل رجلٍ ضلَّ عن طريق تائهًا، إذ ناداه منادٍ يا فلان ابن فلان هلمَّ إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه، يا فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق، وهذه الداعية التي تدعو في البرِّية من الغيلان، يقول مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت. فيستقبل الندامة والهلكة (٢).

ألا ما أشدَّ الحيرة وأعظم الظلمة لمن تاه عن صراط الله المستقيم فاحتوشته شياطين الإنس أو الجن، فاجتالته وأبعدته عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.

أيها المؤمنون! إذا كان الفرق كبيرًا بين الأحياء والأموات حِسًّا فكذلك الفرق بين الأحياء والأموات معنًى، تلك حياة العلم والإيمان، وهذه موتة الجهل والكفر والعصيان، ولقد فرّق الله بينهما في محكم التنزيل فقال: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين


(١) سورة الأنعام، الآية: ٧١.
(٢) تفسير ابن كثير ٢/ ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>