للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظرًا لتأخر النفوس أحيانًا عن الجهاد لسببٍ من أسباب الدنيا، فقد جاء العوضُ - في روحةٍ أو غدوةٍ - في سبيل الله كبيرًا وغير متكافئ مع متاع الدُّنيا، وقال صلى الله عليه وسلم: «لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها» رواه البخاري (١). فإذا كان هذا في الغدوة والروحة، فما الظنُّ بما هو أعظم من ذلك من درجات الجهاد؟

أجل، لقد أعلنها محمدٌ صلى الله عليه وسلم على الملأ، وأقسم، وهو الصادق الأمين، برغبته في الجهاد وفضل الشهادة في سبيل الله يوم أن قال: «والذي نفسي بيدهِ لولا أنَّ رجالًا من المؤمنين لا تطيبُ أنفسُهم أن يتخلَّفوا عنِّي ولا أجدُ ما أحملُهم عليه، ما تخلَّفتُ عن سريةٍ تغدو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددتُ أنِّي أُقْتَلُ في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل» رواه البخاري (٢).

وفي «صحيح» البخاري ومسلم، واللفظ له، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحدٍ يدخلُ الجنة يحبُّ أن يرجعَ إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيءٍ، غيرُ الشهيد، فإنه يتمنَّى أن يرجعَ فيُقتل عشر مراتٍ، لما يرى من الكرامةِ» (٣).

عباد الله: لا بد من إحياء شعيرة الجهاد في النفوس، ولا بد من العلم أن الجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان، وتطوعه بالجهاد في سبيل الله أفضل من تطوع الحج والعمرة وعمارة المساجد، قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ


(١) الصحيح مع الفتح: ٦/ ١٣.
(٢) الصحيح مع الفتح: ٦/ ١٦.
(٣) مختصر المنذري: ح ١٠٧٩، «الفتح» ٦/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>