آتي على بيان شيءٍ من هذه الوسائل المخلِّصةِ من كيده .. أُثير سؤالًا مهمًا يعنى بالدرجة الأولى الأخيار وطلبة العلم، ويعنى غيرهم من باب أولى، والسؤال يقول: هل يعرض الشيطانُ بوساوسه لطلبة العلم وأهل الديانة، أم يكتفي بأهل الجهل والغواية؟ وهل يكثر تعرضه للعبد في حال إنابته إلى ربِّه، أم في حال غفلته واتباع هواه؟
ويجيب شيخُ الإسلام ابن تيمية -عليه رحمة الله - في معرض حديثه عن شكوى الصحابة رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما يجدونه في صدورهم من وسوسة الشيطان حتى قالوا: يا رسول الله! إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخرّ من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه من أن يتكلم به. -وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذاك صريحُ الإيمانِ»، وفي رواية قال:«الحمدُ لله الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ».
ثم يشير الشيخ إلى أن مدافعة الشيطان على هذه الوساوس أعظمُ الجهاد، وإنما صار الإيمان بعدها صريحًا، لما كرهوا هذه الوساوس ودفعوها، فخلص الإيمان فصار صريحًا.
ثم يقول الشيخ:
ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافرًا أو منافقًا، ومنهم من غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنًا، وإما أن يصير منافقًا، ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرضُ لهم إذا لم يصلُّوا؛ لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به، فلهذا يعرض للمصلِّين ما لا يعرض لغيرهم، ويعرض لخاصة أهل العلم والدِّين أكثر مما يعرض للعامة، ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند