للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّنا في زحمة الحياة، وغلبة الشهوات، وطغيان المجاملات نفرِّط في أغلى شيء، وننسى أو نتناسى أنفس شيء، نلتفت إلى عدد من أعمالنا وممارستنا في الحياة اليومية، فلا نكاد نجدُ الإخلاص لها رائدًا .. وحين نصدق مع أنفسنا نعترف بأن الدافع لعدد من تصرفاتنا ومواقفنا حظوظ النفس، وغلبةُ الأهواء، والرغبة في مطامع الدنيا، ومن هنا قلَّت البركة في أعمالنا، وضعف إنتاجنا، وتعبت أجسادنا، ولم تطمئن قلوبنا، وَوُجِدت الخصومات والتنافر بيننا.

إن الحديث عن الإخلاص صعب على النفس، ولولا أمانة الكلمة ومسؤولية البلاغ ما حدثتكم، فأنا أحوج للحديث منكم .. ولا تَقِلُّ حاجتي عن الإخلاص عن حاجتكم .. لكنني أخاطب نفسي إذ أخاطبكم، وألوم نفسي قبل أن ألومكم .. وكلّنا خطَّاء، وخير الخطائين التّوابون، ولنسمع الحديث، وليس منا مبرّأٌ من النقص والخطأ. حديثي إليكم عن شيءٍ من معاني الإخلاص وآثاره، وعلامات الإخلاص وأمارات المخلصين، ألا ما كان الإخلاص في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

إن صلاح النية وإخلاص الفؤاد لرب العالمين يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت، فيجعلانه عبادة متقبلة. وإن خُبث الطَّوية، وظهور الرياء يهبطان بالطاعة المحضة، ويقلبانها إلى معاصٍ شائنة لا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا بالفشل والبوار.

أرأيتم كيف بلغ سقي الكلب الذي يأكل الثرى من العطش بصاحبه إلى مغفرة الرب؟ ! والرجل يزرع الزرع ويغرس الغرس ليتكسب من وراء ذلك، فإذا رافقته النية الطيبة، واحتساب الأجر لمن أكل منه، لم يأكل منه طيرٌ أو إنسان أو حيوان إلا كان له به صدقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>