يا عبد الله: وهل يكفي منك مجردُ التفكير في هذه الأحداث الجسام المُقبلة، أم أن الأمر محتاجٌ فوق هذا إلى عملٍ وقوة إرادة، تحيل التفكير إلى برامج عمل تُدلّل بها على خوفك من الجليل واستعدادك للرحيل وما بعده؟ كم نقفُ مع أنفسنا صرحاء محاسبين؛ في كل يوم؟ أم على مدى الأسبوع؟ أم في الشهر مرة؟ أم على مستوى العام؟
ومن ألوان المحاسبة الجادة أن تسأل نفسك عن قوة الإيمان أو ضعفه، وعن الصلاة المفروضة في الحفاظ عليها، أو التهاون فيها، وعن المال، من أين تجمعه؟ وفيم تنفقُه؟ وعن اللسان ماذا تقول، وعما تمتنع؟ وعن السمع والبصر ماذا تسمع وتبصر؟ وعن الهموم والمشاعر، فلأي شيء تهتم، وماذا يدور في مشاعرك؛ هل تسعى لنشر الخير وتسرُّ له، وهل يسؤوك وجود الشر وتسعي جاهدًا لدفعه؟ هل يتجاوز تفكيرُك إلى هموم الأمة المسلمة ومستقبلها، أم تظل اهتماماتك قاصرةً على أهلكِ وأولادك؟ ما مقدار زهدك في الدنيا وإقبالك على الآخرة؟ هل تُحب للناسِ الذي تُحب أن يأتوا به إليك؟ هل يغلب عقلُك أم عاطفتك مع مواطن الشهوات والشبهات والفتن؟ هل تسؤوك السيئةُ إذا ابتُليت بها، وهل تفرح للحسنة إذا وفقك الله لها؟ إلى غير ذلك من أسئلة محاسبية نافعة.
ألا ويح أمةٍ أو فردٍ تحيط بهم الغفلة، وتتقاذفهم أمواج الفتن، ويغيب عنهم الهدف من هذه الحياة، حتى إذا جاءت سكرة الموت بالحق عادت السكرة إلى فكرة، ورجع القلب المعنى إلى التفكر والذكرى، ولكن هيهات، وقد صاح به المنادي:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}(١).