للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلسه، وقال: أنت أحق بهذا المكان مني، وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.

إخوة الإيمان! ومن دروس القصة: أهمية الصبر والحاجة إلى التواصي به، إن في دعوة النفس إلى الخير وترويضها عليه أو دعوة الآخرين لذلك، ولهذا جاء تأنيسُ محمد صلى الله عليه وسلم به وتذكيره بقصة يونس في سبيل دعوة قومه: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (١).

ثانيًا: وما قدَّره الله على يونس لحكمةٍ بالغة، لا يقلِّل من شأنه ولا ينبغي لأحدٍ أن يقولَ عنه أنه أفضل منه، ولذا ورد في «الصحيحين» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى» (٢).

قال الحافظ ابن حجر: وقيل: خصَّ يونس بالذكر، لما يُخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيصٌ له، فبالغ في ذكر فضله لسدِّ هذه الذريعة (٣).

ثالثًا: قدرةُ الله عظيمة في كل شيء، وهي واضحة المعالم في قصةِ صاحب الحوت، فيونسُ يظل حيًا، وإن غيب في ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل، والحصا يسبح الله في قاع البحر، والله أقدر الشجر والحجر وأنطقها على الشهادة للغلام المخبر بخبر يونس عليه السلام، والله وحده هو الذي يسكن الرياح فتظل السفنُ رواكد على ظهر البحر، أو يهيجها فتضطرب، وربما غرقت وأغرقت من


(١) سورة القلم: الآيات ٤٨ - ٥٠.
(٢) البخاري ٣٤١٦
(٣) الفتح ٦/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>