للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يونس، وما كان إيمانهم إلا تخوفًا من عذاب الله الذي أنذرهم به نبيهم يونس -عليه السلام - فخرجوا إلى الصحراء وجأروا إلى الله بالدعاء ومعهم نساؤهم وأطفالهم ودوابهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، حتى تضرعوا إلى الله وجأروا إليه، وصدقوا في توبتهم ودعائهم، ورغت الإبل وفصلانُها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنمُ وسخالها، فلما علم الله صدقهم رفع عنهم العذاب ومتعهم إلى حين (١).

أيها المسلمون: وفي قصة يونس من العبر: عِظَم جريمة الكذب، وقد كانت في الأمم الغابرة جريمة كبرى يستحق مرتكبها القتل.

كما أنّ في القصة أن مُلك الله يؤتيه من يشاء، وهو المعزُّ لمن شاء، وقد رفع الله قدر الغلام من راعي غنم إلى ملكٍ يسوس الناس بالحسنى فترة من الزمن.

وفي القصة: أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، ويبتلي اللهُ عباده على قدر إيمانهم، والأنبياء أكثرُ الناس بلاءً، ومع ما وقع ليونس عليه السلام من البلاء فقد كان في نجاته درسٌ له ورفعة وذكرى للمؤمنين من بعده، وصدق الله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (٢).

عباد الله: خلاصة دعوة ذي النون صدق في التوجه إلى الله، وتسبيح بحمده وحده، وطلب الغوث والنجاة منه، وإذا وصلت الأمة والأفراد هذا المستوى فسيأتيهم ما يوعدون.

أيها المؤمنون وتظل قصةُ ذي النون درسًا وموعظة لكل مغموم، ومهما اشتطّت بالمرء الدروب، أو لاحقته الهموم، أو أحاطت به الكروب، فخلاصه الوحيدُ


(١) انظر: «تفسير ابن كثير» لآية يونس، والأنبياء ٢/ ٧٠٠، ٣/ ٣١٧.
(٢) سورة الأنبياء: الآية ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>