لا يكادون يذكرون الله في كتاباتهم إلا قليلًا، ويستحي بعضُهم من الاستشهاد بآية قرآنية أو حديث نبوي، ويفخر إذ يُدبج كلامه مستشهدًا بكلام فلانٍ أو فلان -من غير أبناءِ الملة- وكأننا أمة لا تاريخ لها ولا رجال ولا رصيد من التجارب يستحق أن يُنشر ويُشهر، وبه يفخر هؤلاء النخب أو بعضُهم على الأقل. اختلط عليهم ما ينبغي نقله والاستفادة منه من حضارات وتجارب الآخرين المادية مع الشعور بالعزة والاستعلاء، وما ينبغي طرحُه ونقده من قيمٍ فاسدة وثقافاتٍ مستوردة، نجد في قيمنا وثقافتنا الإسلامية غنًى عنه.
وليت هؤلاء يستفيدون من تجارب السابقين لهم ممن تورط في جلب الثقافة الغربية إلى أبناء أمته، فعاد بعد حين يندب حظَّه ويعلن لبني قومه فشل تجربته، بل يحذر ويفرق بين ما ينبغي أن ينقل أو يهمل. ويقول (هيكل) في تقييم تجربتهِ: وقد حاولتُ أن أنقل لأبناء لغتي ثقافة الغرب المعنوية، وحياته الروحية لنتخذهما جميعًا هدى ونبراسًا، ولكننِي أدركتُ بعد لأي أنني أضعُ البذر في غير منبته، فإذا الأرضُ تهضمه ثم لا تتمخضُ عنه ولا تبعثُ الحياة فيه، وانقلبت ألتمس في تاريخنا البعيد، وفي عهد الفراعين موئلًا لوحي هذا العصر يُنشئ فيه نشأةً جديدةً، فإذا الزمنُ، وإذا الركودُ العقلي قد قطعا ما بيننا وبين ذلك العهد من سبب قد يصلح بذرًا لنهضةٍ جديدة، وروأت فرأيت أن تاريخنا الإسلامي هو وحده البذرُ الذي يُنبت ويُثمر (١).
أيها المسلمون: أما الرسالةُ التي ينبغي أن نحملها (النُّخب المثقفة) بل عمومُ المثقفين -من الجنسين- فهي استشعارُ أمانة الكلمة ومسؤولية البلاغ للناس بصدقٍ ونزاهة، فالرائدُ الجادُّ لا يكذب أهله -ولا بدَّ أن يُدرك المثقفون وسواهم أن الثقافة