للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (١).

قال ابن كثير رحمه الله: حرثُ الآخرة: عملها، ومعنى {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي: نقويه ونعينه على ما هو بصدده؛ ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، إلى ما يشاء الله، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} أي: ومن كان إنما سعيُه ليحصل له شيءٌ من الدنيا، وليس له إلى الآخرة هِمّةٌ البتة بالكلية حرَمَهُ الله الآخرة، والدنيا إن شاء أعطاه منها، وإن لم يشأ لم يحصل له لا هذه ولا هذه، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة (٢).

معاشر المسلمين: شمروا في طلب الآخرة، واسعوا لها سعيها وأنتم موقنون بلقاء الله وجزائه وعدله، في كل حين، وخصوا مواسم الخيرات بمزيد من السعي تُفلحوا وتنجوا من عذاب الله.

قيل للأحنف بن قيس رحمه الله: إنك كبيرٌ والصوم يُضعفك، قال: إني أعدُّه لسفرٍ طويل. وقيل: كانت عامةُ صلاتهِ بالليل، وكان يضع أصبعه على المصابيح ثم يقول: حِسَّ، ويقول: ما حملك يا أحنفُ على أن صنعت كذا يوم كذا (٣)؟ !

وهكذا إخوة الإيمان تكون الجدية في العبادة، والمحاسبة؛ وتذكر الآخرة.

إن هذه الأمة أمةُ خير، بشَّرها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ببشائر - ما التزمت الطريق الحق - وحذرها من عمل الآخرة لأجل الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((بشِّر هذه الأمةَ بالسَّناء،


(١) سورة الشورى، الآية: ٢٠.
(٢) تفسير ابن كثير ٧/ ١٨٦.
(٣) سير أعلام النبلاء ٤/ ٩١، ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>