ولا غرابة أن تنحى الدولُ الكبرى منحى جديدًا في حرب القيم والأخلاق في سبيل القضاء على خصومها ... وذلك أن هذا النوع من الحربِ أكثرُ أثرًا وأقلُّ خسارة من الحروب المادية.
وعلى كل مسلم أن يتصور أنه كلما ضعف في انتمائه لدينه، وتمسُّكه بأخلاقه، فإنما يقلل بسلوكه هذا من جنود المسلمين، ويزرع جنديًا آخر غريبًا في بلاد المسلمين.
إن فساد الأخلاق طريق لانتهاك الأعراض، وضياع الأموال، وقتل الأنفس بغير حق، وفي حسن الأخلاق ضمان بإذن الله للأمن، وانتشار الخير، وحصول الرخاء.
عباد الله: وإذا كانت الأخلاقُ الكريمةُ بهذه المثابة من الأجر والأثر، فما أحرانا أن نتعرف عليها أو على شيء منها، ومن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فليجاهد نفسه على الإصلاح والاستقامة، وقد يطول بنا المُقام لو ذهبنا نحصي الأخلاق الكريمة: كالصدق والصبر والشجاعة والحِلْمِ والحياء، والكرم والرفق ونحوها؛ ولكن بعض العارفين أرجع هذه الأخلاق الفاضلة إلى أربعة أصول، هي: الصبر، والعفةُ، والشجاعة، والعدل، والسرُّ في ذلك - كما قيل - إن الصبر يَحْمِل صاحبه على الاحتمال وكظم الغيظ، وإماطة الأذى، والحلم، والأناة، والرفق وعدم الطيش والعجلة. والعفة تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمله على الحياء، وهو ركنُ كل خير، وتمنعه من الفُحشِ والبخل والكذب والغيبة والنميمة.
والشجاعةُ تحمله على عزةِ النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم وعلى البذل والندى (١)، الذي هو شجاعةُ النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته،