أيها المسلمون: هذه وأمثالها مراجعات يحسن بالمرء أن يراجع نفسه ويسألها عنها على الدوام ... وهي خليقةٌ بالمحاسبة مع انصراف عامٍ وبدء عامٍ، وإذا أخرجت لنفسك ميزانيةً في آخر العام عرفت قدر المكاسبِ فيها والخسران، وإذا علمت ذلك سددت وقاربت قدر الإمكان، وتلك الميزانية والمحاسبة، وربّي، أولى من غيرها في موازين الدنيا ومحاسباتها ... والغفلةُ تورث الهلكة ... وما أعظم الحسرةَ حين يرد الناسُ يوم القيامة بحسنات كالجبال، ويرد المفرِّطون الغافلون بالخيبة والخسران، يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون.
عباد الله: نهايةُ عام وبدءُ عام مذكِّرةٌ بسرعة الأيام وانقضاء الأعمار، فإذا كانت الساعةُ تشكل قدرًا في أجل الإنسان، فكيف مما يزيد على ثمانية آلاف وست مئة ساعة في السنة، والله يقول:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}(١).
يا عبدَ الله: وبين عامٍ مضى وعام يوافي عبرٌ توقظُ الضمير الغافي، وهل نسيت أنه حصل في العام المنصرم عللٌ وأسقام، وفتن وهموم، وفقرٌ وحروب، وأمواتٌ رحلت، ودماءٌ أزهقت، وأطفالٌ ونساءٌ تأيمت ... فإذا سلمك الله من هذا كله فاحمد الله واشكره، واعلم أن ما تخطاك لغيرك سيتخطى غيرك إليك، فكن مستعدًا للقاءِ ربك، مغتنمًا شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، والكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.