للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتلهف على زمانه الماضي، ويودُّ لو تُرك يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتِها بالأسف، ولو وُجدت ذرةٌ من تلك الأحوال في أوان العافية حصل كلُّ مقصودٍ من العمل بالتقوى، فالعاقلُ من مثل تلك الساعةَ وعمل بمقتضى ذلك» (١)، وصح في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «عودوا المريضَ واتَّبعوا الجنازة تذكركم الآخرة» (٢)، وقال الأعمش: كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعزى فيها لكثرة الباكين، وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت»، وحين مرت بالحسن البصري جنازةٌ قال: يا لها من موعظةٍ ما أبلغها وأسرعَ نسيانها، يا لها من موعظة، لو وافقت من القلوب حياةً، ثم قال: يا غفلة شاملةً للقوم، كأنهم يرونها في النوم، ميّتُ غدٍ يدفن ميتَ اليوم (٣).

ومن أنفع الأدوية لعلاج الغفلة: المداومة على محاسبة النفس، وحسبُ العاقل أن يقف في محاسبته لنفسه على قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (٤).

وصدق من قال: حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا.

أيها الناس: اعملوا على مهل، وكونوا من الله على وجل، ولا تغتروا بالأمل ونسيان الأجل، وقفوا عند قول الحق: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (٥)، كان مطرف بن عبد الله يقول: إن هذا


(١) صيد الخاطر: ١٤٦.
(٢) أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، الأحاديث الصحيحة ١٩٨١، صحيح الجامع الصغير ح ٣٩٨٨.
(٣) لحظات ساكنة/ القاسم: ٩٥.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٣٠.
(٥) سورة لقمان، الآية: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>