ومعه الفيل، حتى إذا دنوا من مكة (عند الصفاح) استقبلهم عبدُ المطلب (جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم) فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا، ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت؟ قال: أخبرتُ بهذا البيت الذي لا يدخله أحدٌ إلا أمِن، فجئتُ أخيفُ أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شيءٍ تريد فارجع، فأبى إلا أن يدخله، فقال (عبد المطلبُ): إن هذا بيتُ الله تعالى لم يُسلط عليه أحدًا، قالوا: لا نرجعُ حتى نهدمه، وانطلق يسير نحوه، وتخلف عبدُ المطلب فقام على جبل فقال: لا أشهد مَهْلِكَ هذا البيت وأهله، ثم قال:
اللهم إن لكلِّ إلهٍ ... حلالًا فامنع حلالك
لا يغلبن مِحالُهم ... أبدًا مِحالك
اللهم فإن فعلتَ ... فأمرٌ ما بدا لك
فلما انتهى الجيشُ إلى الحرم برك الفيل وحبسه الله عن مكة فأبى أن يدخلَ الحرم، فإذا وُجه راجعًا أسرع راجعًا، وإذا أريد على الحرم أبي، وجعل اللهُ كيدهم في تضليل، فأقبلت مثلُ السحابة من نحو البحر طيرٌ صغارٌ بيض، أبابيل، لها خراطيمُ كخراطيم الطير وأكُفٌّ كأكُفِّ الكلاب، في أفواهها حجارة أمثال الحِمِّصِ سوداء بها نضح حمرة، كأنها جَزَعُ ظفار، في منقارِ كل واحدٍ منها حجرٌ، وحجران في رجلين (من طين)، فأقبلتْ حتى أظلتهم فجعلت ترميهم بها، ولا تصيب شيئًا إلا هشمته، فجعل الفيل يَعج عجًا، فجعلهم اللهُ كعصف مأكول، فكان لا يقع منها حجرٌ على أحدٍ منهم إلا تفطر مكانَه، فذلك أولُ ما كان الجدري، ولم تُصبهم كلَّهم، فأخذتهم الحكةُ، فكان لا يحك إنسانٌ منهم جلده إلا تساقط لحمُه، فأصيب أبو يكسوم في جسده فهرب، وكلما قدم أرضًا تساقط بعضُ لحمه، حتى أتى قومه فأخبرهم الخبر ثم هلك.
وأرسل الله إليهم سيلًا فذهب بهم وألقاهم في البحر، وبقي خزق الفيل