للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكنتُ أُسندُ إلى الكَثيبِ أتبصّرُ، ثم أرجعُ فأمَرضهُ، فبينما أنا وهو كذلك، إذ أنا برجالٍ على رِحالِهم، كأنهم الرّخَمُ، تَخُبُّ بهم رواحلُهم، قالت: فأشرتُ إليهم فأسرعوا إليّ حتى وقفوا عليَّ، فقالوا: يا أمةَ اللهِ ما لَكِ؟ قلتُ: امرؤٌ من المسلمينَ تُكفِّنونه، قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذرٍّ، قالوا: صاحبُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: نعم، فَفدَوه بآبائِهم وأمهاتِهم وأسرعوا عليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: أبشروا، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لنفرٍ أنا فيهم: «ليموتنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرضِ يشهدُه عصابةٌ من المؤمنينَ».

وليس من أولئك النفرِ رجلٌ إلا وقد هلكَ في جماعةٍ، واللهِ ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ، إنه لو كان عندي ثوبٌ يَسعُني كفنٌ لي أو لامرأتي لم أكفّن إلا في ثوبٍ هو لي أو لها، فإني أنُشدكم اللهَ، ألا يكفنني رجلٌ منكم كان أميرًا أو عريفًا أو بريدًا أو نقيبًا، وليس من أولئك النفرِ أحدٌ إلا وقد قارفَ بعضَ ما قال، إلا فتىً من الأنصار، قال: أنا يا عمُّ أُكفنكَ في ردائي هذا، وفي ثوبين من عَيبتي من غَزْلِ أُمي، قال: أنت فكفِّني، فكفّنه الأنصاريُّ، وقاموا عليه وكفَّنوهُ في نَفَرٍ كلُّهم يَمانٍ (١).

تلكم إطلالةٌ يسيرةٌ على حياةِ واحدٍ من صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتى غِفار، والفارِس المِغوار، والمتألِّه قبلَ الإسلام، والعابدُ الزاهدُ في الإسلام، حتى لقد رُوي: «مَنْ سَرَّهُ أن ينظرَ إلى زُهدِ عيسى، فلينظرْ إلى أبي ذرٍّ» (٢).

رضيَ اللهُ عنك يا أبا ذرّ وأرضاكَ وسائرَ أصحابِكَ صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إنّا نُشهدكَ على محبَّتهم فاحشُرنا معهم.


(١) انظر ابن حبان في «صحيحه» ٢٢٦٠، مجمع الزوائد ٩/ ٣٣١، ٣٣٢، زاد المعاد ٣/ ٥٣٥.
(٢) رواه ابن سعد ٤/ ٢٢٨ بسندٍ رجاله ثقات إلا أنه منقطع، سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>