للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «صحيح» البخاري في كتاب الاستئذان «باب: كل لهو باطلٌ» إذا شَغَله عن طاعةِ الله .. ثم ساق الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}.

قال ابنُ حَجر: يشمل هذا النهيُ المُشغِلُ عن طاعةِ الله ما كان مأذونًا بفعله أو منهيًّا عنه، كمن اشتغل بصلاةِ نافلة أو تلاوةٍ أو ذِكْر أو تفكّر في معاني القرآنِ مثلًا، حتى خرج وقتُ الصلاةِ المفروضةِ عَمْدًا، فإنه يدخل تحت هذا الضابط، ثم قال: وإذا كان هذا في الأشياء المُرَغّبِ فيها والمطلوبِ فِعلُها، فكيف حالُ ما دُونَها؟ (١)

وترجمةُ البخاري هنا إشارةٌ منه إلى حديثٍ رواه أحمدُ والترمذيُّ وحسّنه أبو داودَ، والنسائي، وصححه ابنُ خزيمةَ والحاكمُ من حديث عقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ اللهَ عزّ وجلّ ليُدْخِل بالسَّهم الواحدِ ثلاثةَ نَفَرٍ الجَنّةَ .. إلى قوله - وهو الشاهدُ هنا - «كلُّ لَهْوٍ باطلٌ، ليس من اللهوِ محمودٌ إلا ثلاثةٌ: تأديبُ الرجلِ فرسَه، وملاعبَتُه أهلَهُ، ورَمْيَه بقوسِه ونَبْلِهِ، فإنهنّ من الحقِّ» (٢).

ومن تلميح البخاريِّ إلى تصريحهِ، فقد ساق الحديثَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونَنّ من أُمتي أقوامٌ يَستحلّون الحِرَ والحَريرَ والخمرَ والمعازِفَ» (٣).

والمعازفُ هنا - كما قال شُراح الحديثِ - آلاتُ الملاهي والغناء.

وتأمّل هنا قوله صلى الله عليه وسلم: «يستحِلُّون» فهو مؤشرٌ إلى حُرمتها، وتأمّل كذلك كيف قُرِن تحريمُ «المعازف» مع تحريم الزِّنا وهي «الحِر» والحريرَ والخمر .. فماذا يُقال في «الغناء» بعد هذا؟


(١) الفتح ١١/ ٩١.
(٢) انظر «جامع الأصول» لابن الأثير ٥/ ٤١، ٤٢، و «الفتح» لابن حجر ١١/ ٩١.
(٣) أخرجه البخار ي (٥٥٩٠)، الفتح ١٠/ ٥١ وفي مواطن أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>