للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُفكرُ فيها .. وسبحانَ من أعطى كلَّ شيءٍ خَلْقَه ثم هدى .. وسبحانَ من أودعَ نِعمًا عند قومٍ ونزعَها من آخرين .. ليبلُوا هؤلاءِ وهؤلاءِ أيّهم أحسنُ عملًا.

ومن عجائب خلقِ اللهِ أنكَ ربما أبصرتَ مُعاقًا يعملُ وينتجُ أكثرَ مما يعملُ وينتجُ الصحيحُ المعافى!

وهنا نتحدثُ ونلفتُ النظرَ إلى مُعاقين، ولكن من نوع آخرَ، ولكن قبل ذلك أقول: إن المُعاقَ بفقدِ حاسةٍ أو عضوٍ .. فذاكَ قدرٌ كونيٌّ، وحسبُ هذا المعاقِ أن يصبرَ ويحتسبَ وألا تقعدَ به هذه الإعاقةُ عن المشاركةِ في مسرحِ الحياةِ .. وكم من معاقٍ حفظَ القرآنَ، وكم من معاقٍ يُمارسُ الدعوةَ إلى الله، وكم من معاقٍ يُتقنُ من المهاراتِ والأعمالِ ما لا يقدرُ عليه الأسوياءُ!

كم من مُعاقٍ يملكُ هِمةً عاليةً ولم تقعدْ به إعاقتُه عن ممارستِها، وربما حرّكَ بهمَّتهِ وفاعليَّتهِ هِممَ الآخرينَ من الأسوياء!

وكم يشهدُ تاريخُنا الإسلاميُّ في القديمِ والحديثِ على وجودِ عددٍ من النُّبلاءِ الأفذاذِ، وإن فقدوا شيئًا من جَوارِحهم أو لم تكتمل لهم قواهمُ، ومع ذلك أثْرُوا وساهموا مساهماتٍ جليلةٍ، إنْ في الجهادِ أو العلمِ أو مجالاتٍ أخرى، صحيحٌ أن اللهَ قال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (١)، ولكن هؤلاءِ لم يَعذروا أنفسَهم، فحملَ الأعمى الرايةَ في سبيلِ اللهِ، وقال ابنُ أمِّ مكتومٍ رضي الله عنه: «ادفعوا إليّ اللواءَ، فإني أعمى لا أستطيعُ أنَ أفِرَّ وأقيموني بين الصفين» (٢).

وأصَرَّ عمرو بنُ الجموح رضي الله عنه وهو الشيخُ الكبيرُ والأعرجُ المعذورُ .. إلا أن


(١) سورة النور، الآية: ٦١.
(٢) ابن سعد في «الطبقات»، الذهبي في «السير» ١/ ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>