للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داري، وإن وصل فأنا أنتظرُ أن يموتَ على باب داري .. إلى أن يقول: فمنتظر هذا كلِّه ممكنٌ .. ولكن المنتظرَ في غاية الحماقةِ والجهل، إذ قد لا يمكن ولا يكون (١).

إخوةَ الإسلام: وفي واقعنا المعاصر قد ترى شابًا أو كهلًا اقتنع بخطأ طريقِه، وهو يتمنّى التغييرَ، ويُفكرُ بالتوبةِ، لكنه ينتظر المناسبةَ للتوبة، كأن يموتَ له قريبٌ، أو يُصابَ هو بحادثٍ فيتّعظَ، ويهزُّه الموقفُ ويتذكّر الآخرةَ، ولكن ماذا لو كان هو الميتَ فاتّعظ به غيرُه، أو كان هذا الحادثُ الذي ينتظره فعلًا، لكن صارت فيه نهايتُه .. إذن فالأمر جِدّ خطِير، والتأخيرُ قد يحمل المفاجأةَ، والأمرُ لا يحتمل المخاطرةَ، والحزمُ والجِدُّ أن تقرّرَ التوبةَ حالًا، وأن تسلكَ طريقَ الاستقامةِ الآن، فلا تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ.

عبادَ الله: وثمةَ شعورٌ خاطئٌ قد يغترُّ به بعضُ الناسِ، وقد يَمْنعُهم من تعجيل التوبةِ، وذلك حينما يقول أحدُهم: ما بالُنا نرى أقوامًا قد امتلأت فِجاجُ الأرضِ بمفاسدهم وظلمهِم وفجورهم؟ ! ومع ذلك نراهم وقد دُرَّت عليهم الأرزاقُ، وأُنسئت لهمُ الآجالُ، وهم بين الناس يعيشون في رَغَدٍ وأمانٍ، وهذا التصوُّر الخاطئُ فيه جهلٌ بسنن الله وآياتِه، فاللهُ يُمْهِلُ ولا يُهمِل، ولا يغترّ بإمهالِه إلا جاهلٌ، وهذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يُنذرُ ويحذِّر ويقول: «إن اللهَ ليُملي للظالم حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْهُ» ثم قرأ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (٢).

وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: «إذا رأيتَ اللهَ عزّ وجلّ يعطي


(١) إحياء علوم الدين ٤/ ٥٨.
(٢) سورة هود، الآية: ١٠٢، الحديث متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>