للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادَ اللهِ: إنّ عقيدَتنا - معاشرَ المسلمين - مع كونِها الأحقَّ والأجدرَ بالبقاءِ، وهي الرسالةُ الأخيرةُ للبشر .. فهي أوسعُ وأرحبُ من الأديان والعقائد الأخرى .. فنحن نؤمن بالأنبياء جميعًا، ونُجلُّهم ونقدّرُهم .. ونؤمنُ كذلك بما أُنزل عليهم ونعتقد أنه - قبل التحريف - من عند الله يجبُ الإيمانُ به والتصديقُ، أما غيرُنا من اليهود والنصارى فيضيق أُفقُهم، ويؤمنون ببعض الكتابِ ويكفرون ببعضٍ، ويعظّمون أنبياءَ إلى حدِّ عبادِتهم من دون اللهِ .. ويعتدون على آخرين ظلمًا وعدوانًا بالسبِّ والتُّهم الباطلةِ والتكذيبِ، بل وصل الأمرُ بهم إلى قتْل بعضِهم، فضلًا عن تكذيبهم {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (١).

أما نحن - معاشرَ المسلمين - فأحدُ أركانِ الإيمان عندَنا الإيمانُ بالكتب السماويةِ المنزَّلةِ، وبالرُّسل المرسلَةِ من اللهِ، وفي كتابنا العزيز: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (٢).

أيها المسلمون: وهناك حقيقةٌ لا بد أن نُدركَها وهي أنّ رفضَ أهلِ الكتاب للحقّ الذي يُمثّله دينُنا ليس سببُه الجهلَ دائمًا، بل قد يعلمون الحقَّ - ولا سيَّما العلماء منهم - ويُصرُّون على الباطل، وفي «صحيح البخاري» من حديثِ أبي سفيانَ وقصة نزوله عند هرقلَ - زعيمِ الروم - ما يكشفُ هذه الحقيقةَ بجلاءٍ .. وقد قال هرقلُ زعيم النصرانيةِ حينها، لزعيم الوثنيةِ حينها أبي سفيانَ: إن كان ما تقولُ حقًّا فسيملكُ موضعَ قدميَّ هاتين، وقد كنتُ أعلمُ أنه خارجٌ، لم أكن أظنّ أنه منكم، فلو أني أعلم أني أَخلصُ إليه لتجشّمتُ لقاءَه، ولو كنتُ عِندَه لَغَسَلْتُ عن قدمِه (٣).


(١) سورة البقرة، الآية: ٨٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٨٥.
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» مطوّلًا برقم (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>