للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثالثِ من الأعداء .. بات يتسلّلُ في بلاد المسلمين وغيرِها، ترعاه دولٌ كبرى، ويتخذُ من الهيئاتِ والمنظماتِ العالمية غطاءً لتنفيذ المخطّطات بعد رسم السياساتِ، وما يعجزُ عنه بالسياسة والتنصير يُستخدمُ له أسلوب القوة والقتل والتهجير.

إنه الخطرُ النصرانيُّ واجهَ المسلمين في زمن النبوةِ، وما زال يواجُههم حتى اليوم، ولكنّ نارَه تخبو على صيحاتِ جهادِ المسلمين وفي زمن قوتِهم، ثم لا تلبثُ أن تتأجّجَ في مراحل ضعفِ المسلمين وتفرُّقهم، وغياب قادتِهم.

أجل؛ لقد اعترف النصارى وغيرُهم من أهل الكتاب بصدقِ رسالةِ محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن معظمَهم كتمَ الحقَّ وعارضَه، وصدَق وَعْدُ الله فيهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (١).

وعظيمُ الروم (هرقل) كان واحدًا من هؤلاء الذين اعترفوا بالإسلام وبصدْق محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد جمع عظماءَ الروم في دَسكرةٍ له بحمص وقال لهم: هل لكم في الفلاح والرُّشد، وأن يثبت ملكُكم فتبايعوا هذا النبيَّ .. وهو الذي قال لأبي سفيان رضي الله عنه - بعد حواره معه -: «وقد كنتُ أعلم أنه خارجٌ .. فلو أني أعلمُ أني أخلُص إليه لتجشَّمتُ لقاءَه، ولو كنتُ عندَه لغسلتُ عن قدمِه» (٢).

ومع ذلك كلِّه آثرَ (هرقلُ) ملكَه ولم يُسلِم، بل جهّز الجيشَ وأعدّ العُدّةَ لقتال المسلمين، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قيد الحياةِ، وكانت غزوةُ (مؤتَة) التي استُشهد فيها عددٌ من المسلمين وفي مقدّمتهم أمراءُ المسلمين الثلاثةُ - واحدةً من المعارك بين الإسلام والنصرانيةِ، ومن كيدِ النصارى للمسلمين.

ثم استمرَّ الكيدُ في زمن الخلفاءِ الراشدين، وكانت معركةُ اليرموكِ من أعنفِ


(١) سورة البقرة، الآية: ١٤٦.
(٢) رواه البخاري في بدء الوحي.

<<  <  ج: ص:  >  >>