للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادَ الله: وهناك عِدةُ معالمَ لا بدَّ أن أنعتَها في معركتنا مع عدوِّنا، ومنها:

أولًا: المسلمون مستهدَفون - بالعداوة - بأصلِ إيمانهم وليس بسبب كسبِهم أو فعلتِهم في كثيرٍ من الأحيان، كما قال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (١).

والأعداءُ يتحيَّنون كلَّ فرصةٍ، ويتصيَّدون كلَّ غفلةٍ يَغفلُ فيها المسلمون عن تعاليمِ دينِهم، ليَهجمُوا عليهم ويستأصلوا شأْفتَهم ومع واعظِ القرآنِ للمسلمين إلا أنهم قد يَغفُلون فيمكِّنون للأعداءِ من حيثُ يشعرونَ أو لا يشعرون، ومن تنبيهاتِ القرآنِ للمسلمينَ قولُه تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} (٢).

ثانيًا: مِن فَضْلِ الله ورحمتِه بهذه الأُمةِ أن تسليطَ العدوِّ على المسلمين ليس تسليطَ استئصالٍ وإبادةٍ - لأن المسلمين أمةُ الخيرِ، وأمةُ النبوةِ الخاتمةِ، والشهداءُ على الناسِ، وفيهم الطائفةُ المنصورةُ حتى يأتيَ وعدُ الله - وإنما تسليطُ الأعداءِ عليهم تسليطُ إيذاءً وعقوبةٍ على المعاصي الفكريةِ والأخلاقيةِ والسياسيةِ ونحوِها من الأخطاء، ليتوبوا ويكفِّرَ اللهُ عن سيئاتِهم، ولينكشفَ فيهم الخبيثُ والطيبُ ويعلمُ اللهُ - وهو أعلمُ - الصادقينَ مع الكافرين.

إنه الأذى الذي قال اللهُ عنه: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} (٣).

قال القرطُبيُّ رحمه الله: فالآيةُ وعدٌ من اللهِ لرسولِه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أن أهلَ الكتابِ لا يَغلِبُونَهم وأنهم منصورونَ عليهم، لا ينالُهم منهم اصطِلامٌ - يعني استئصال -


(١) سورة البروج، الآية: ٨.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٠٢.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>