للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني لمَشتاقٌ إلى ظلِّ صاحبٍ ... يَرِقُّ ويَصفُو إن كَدِرْتُ عليهِ

فهل نتعلَّمُ- يا تُرى- من رمضانَ الحِلمَ، ونمارسُ الحِلْمَ في رمضان وغيرِه؟

أيها المسلمون: أمّا (الجهادُ والجِدُّ) ففي مدرسةِ رمضانَ متسعٌ لهما، كيف لا وأسلافُنا- وفي مقدّمتِهم نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، خاضوا أكثرَ من معركةٍ في رمضان ابتداءً من يوم الفُرْقان في (بدرٍ) وانتهاءً بالفتح الأعظم في (فتح مكةَ) ودخولِ الناس في دينِ الله أفواجًا، وما فَتِئَ المسلمون بعدَهُم وما زالوا يجاهدونَ أعداءَ الإسلام في رمضان، حتى زمانِنا هذا.

وفوق ذلك فجهادُ المسلمِ في رمضان وجِدّيُته وصقلُ إرادتِه في شهر الصيام لا تقفُ عند حدِّ المعاركِ الحربية، بل تتعدَّاها إلى جهادِ النفس ومغالبة الشهواتِ والانتصارِ على دواعي الرذيلةِ ومُنكَراتِ الأقوال والأفعال ..

أجلْ إن الصائم الحقَّ يحفظُ لسانَه عن الكذب والغِيبةِ وقولِ الزُّور، ويحفظ سمعَه وبصرَه عن السماع والنظرِ والمحرَّم أيًّا كان شكلُه، ومهما كانت دواعِيَه، كما يحفظ رجِلَه عن المشي للحرامِ، ويدَه من تناولِ الحرام، وهكذا ينتصرُ الصائمُ في معؤكة الشهواتِ والشُّبُهات، ويجاهدُ نفسَه وشيطانَه فتكتملُ له أسهمُ الجهاد .. ويتوفرُ له الجِدُّ، وهذه التربية الجهاديةُ حَرِيّةٌ بأن تستمرَّ مع المسلمِ بعد رمضان، فالعبادةُ لله لا أَجَلَ لها دون الموتِ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (١).، واللهُ يهدي المجاهدي ويُسدِّدُهم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (٢).


(١) سورة الحجر، الآية: ٩٩.
(٢) سورة العنكبوت، الآية: ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>