الخوفِ الشديد ونكدِ العيشِ والفرارِ من بلادٍ إلى بلاد، فلا يبيتونَ ليلةً إلا في خوفٍ من قوارعِ الأعداءِ وطوارقِ الشرورِ المترادفة، والله المستعان.
وقد وردَ (حلب) في مائتي ألف مقاتلٍ بغتةً في سنةِ إحدى وخمسينَ وثلاثِ مئة، وجالَ فيها جولةً ففرَّ منْ بينِ يديهِ صاحبُها سيفُ الدولةِ، ففتَحها اللعينُ عنوةً، وقتلَ منْ أهلها من الرجالِ والنساءِ ما لا يعلمهُ إلا اللهُ، وأخذَ أموالَها وحواصلَها وبدَّدَ شملَها .. وبالغَ في الاجتهادِ في قتالِ الإسلامِ وأهلِه، وجدَّ في التشمير، فالحكمُ للهِ العليِّ الكبير.
وقد كانَ- لعنهُ الله- لا يدخلُ في بلدٍ إلا قتلَ المقاتلةَ وبقيةَ الرجالِ وسبى النساءَ والأطفالَ، وجعلَ جامعتَها إصطبلًا لخيولِه. ولمْ يزلْ ذلكَ من دأبهِ حتى سلَّطَ اللهُ عليهِ زوجتَهُ فقتلتْهُ بجواريها في وسطِ مسكنهِ، وأراحَ اللهُ منهُ الإسلامَ وأهلَه.
أما أطماعُه وتطلعاتُه وعتوُّهُ واستكبارُه، فقد بلغتْ حدًّا كتبَ معه إلى الخليفةِ المطيعِ للهِ بقصيدةٍ تعرضَ فيها لسبِّ الإسلامِ والمسلمينَ، وتوعدَ فيها أهلَ حوزةِ الإسلام، بأنهُ سيملكُها كلَّها- حتى الحرمين الشريفين- عمّا قريب، قالَ ابنُ كثيرٍ رحمه الله: وهوَ أقلُّ وأذلُّ وأخسُّ وأضلُّ من الأنعام، ويزعمُ الخبيثُ أنهُ ينتصرُ في هذهِ القصيدةِ لدينِ المسيحِ- عليهِ السلام- وربما يعرِّضُ فيها بجنابِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وحيثُ نقلَ ابنُ كثيرٍ هذه القصيدةَ بطولِها .. فأنقلُ لكمْ شيئًا منها يكفي للعلوِّ والاستكبارِ والسخرية والاستهزاء .. ومما جاءَ فيها قولُ ناظِمها على لسانهِ:
سألقى جيوشًا نحوَ بغدادَ سائرًا ... إلى باب طاق حيث دار القماقم
وأحرقُ أعلاها وأهدمُ سورَها ... وأسبي ذرارِيها على رغمِ راغمِ
وأسري بجيشٍ نحو الأهوازِ ... مسرعًا لإحرازِ ديباجٍ وخزِّ السواسم