للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكرُ الحربَ يقول: فعلنا ونفعلُ ويتهدَّدُهم، وأما حسانٌ فكانَ يذكرُ عيوبَهمْ وأيامهم، وأما ابنُ رواحةَ فكان يُعيِّرُهمْ بالكفر (١).

ولقدْ تأثرَ كعبٌ رضيَ اللهُ عنهُ حينَ نزلَ في القرآنِ ما نزلَ في ذمِّ الشعراء، فجاءَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسولَ الله، قدْ أنزلَ اللهُ في الشعراءِ ما أنزل، فقالَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم مطمئنًا: «إنَّ المجاهدَ مجاهدٌ بسيفهِ ولسانه، والذي نفسي بيدهِ لكأنما ترمونهمْ بهِ نضحُ النَّبْلِ» (٢).

شهدَ كعبٌ أحدًا فارتُثَّ فيها، بل جُرح فيها سبعةَ عشرَ جرحًا، وهوَ أولُ منْ عرفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وبشرَّ به المؤمنين حيًّا سويًّا، ودعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كعبًا بلأمَتِه، وكانتْ صفراءَ، فلبسها كعبٌ وقاتلَ يومئذٍ قتالًا شديدًا حتى جُرحَ سبعةَ عشرَ جرحًا (٣).

أيها المسلمون: وكما جاهدَ كعبٌ المشركينَ بسيفه، جاهدهمْ كذلكَ بلسانه، وكانَ لشعرهِ أثرٌ بالغٌ عليهم، بلْ أسلمتْ لهُ دَوْسٌ لبيتينِ قالهما كعبٌ والخبرُ كما ذكرهُ ابنُ سيرين: قالَ كعبٌ بيتينِ كانا سببَ إسلامِ دَوْس، والبيتانِ قالهما كعبٌ حينما انصرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منْ حُنينٍ وأجمعَ المسيرَ إلى الطائف، والبيتانِ هما- كما ذكرَ ابنُ هشام-:

قَضَيْنا منْ تهامةَ كلَّ ريبٍ ... وخيبرَ ثمَّ أجمَعْنا السُّيوفا

نُخيِّرُها ولو نطقتْ لقالتْ ... قواطعهنَّ دَوْسًا أو ثقيفا (٤)


(١) سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٢٥.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٢٠٥٠٠) وعند أحمد في «مسنده» (٦/ ٣٨٧) بسند صحيح، سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٢٥.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٢٥.
(٤) السيرة لابن هشام ٤/ ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>