للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منْ قِبَل أعدائها، وممتَحنةٌ بهجماتٍ شرسةٍ تتابعُ عليها .. ولكنَّ أحوالَ المسلمينَ صلاحًا أو فسادًا، صدقًا أو نفاقًا هيَ الفيصلُ في رسمِ النتائجِ ..

وسأقصُّ عليكمْ منْ ذاكرةِ التاريخِ عجبًا .. أمةٌ منَ النصارى تتقصَّدُ بلادَ المسلمينَ في النصفِ الثاني منَ القرنِ الخامسِ الهجريِّ، وتلتقي بالمسلمينَ في جيشٍ لَجِبٍ لا طاقةَ للمسلمينَ بهِ، ولا مقارنةَ على الإطلاقِ بينَ الجيشينِ .. ثمَّ تنتهي المعركةُ لصالح المسلمينَ، بلْ ويؤسَرُ زعيمُ النصارى، فكيفَ وقعَ، ومَعَ مَنْ وقعَ هذا؟

قالَ ابنُ الأثيرِ وعنه الذهبيُّ: في هذهِ السنةِ (٤٦٣ هـ) خرجَ أرمانوسُ ملكُ الرومِ في مائتي ألفٍ منَ الرُّومِ، والفِرَنْجِ، والغربِ، والرُّوسِ، والبجناكِ، والكُرجِ، وغيرِهمْ، منْ طوائفِ تلكَ البلادِ، فجاءوا في تجمُّل كثير، وزيٍّ عظيم، وقَصَدَ بلادَ الإسلامِ، فوَصلَ إلى ملازكرد (١) من أعمالِ خِلاطَ. فبلغَ السلطانَ ألْب أرسلان الخبرُ، وهوَ بمدينةِ خُوَيّ من أذْرَبِيجانَ، قدْ عادَ منْ حَلَبَ، وسمعَ ما هُوَ مَلكُ الرومِ فيهِ منْ كثرةِ الجُموعِ، فلمْ يتمكَّنْ منْ جمْعِ العساكرِ لبُعدِها وقُربِ العدوِّ، فسيَّر الأثقالَ مَعَ زوجتهِ ونظامِ المُلكِ إلى هَمَذانَ، وسارَ هوَ فيمنْ عندَهُ مِنَ العساكرِ، وهمْ خمسةَ عَشَرَ ألفَ فارسٍ، وجدَّ في السَّيرِ، وقالَ لهمْ: إنّني أقاتلُ محتسِبًا صابرًا، فإنْ سلِمْتُ فنعمةٌ منَ اللهِ تعالى، وإنْ كانتِ الشهادةُ فإنَّ ابني مَلِكْشاه وليُّ عهدي؛ وساروا.

فلمّا قاربَ العدوَّ جعلَ له مقدّمةً، فصادفتْ مقدّمتُه، عند خِلاطَ، مُقدَّمَ الروسيّةِ في نحوِ عشرةِ آلافٍ منَ الرومِ، فاقتَتَلوا، فانهزمتِ الروسيّةُ، وأُسرَ مُقدَّمُهم، وحُملَ إلى السلطانِ، فجَدَع أنْفَه، وأنفذَ بالسَّلب إلى نظامِ المُلكِ،


(١) وعند ياقوت والذهبي (منازكرد) «سير أعلام النبلاء» ١٨/ ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>