للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفارِ في حالِ القوةِ أو حالِ الضعف، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (١).

٤ - صديقُكَ منْ صَدَقكَ لا منْ صدَّقَك: ثمةَ أصدقاءُ ربما أظهروا لكَ التعاطفَ حينَ تخطئ، أو حينَ تكونُ محتاجًا للنُّصح، وربما سهَّلوا لكَ الخطأ، أو حسَّنوا لكَ العزةَ بالإثم .. وأولئكَ قدْ يرقُّون لكَ وقدْ تنساقُ لنُصحهم- غيرَ مُقدِّرٍ للعواقب- وثمةَ أصدقاءُ آخرونَ ربما قَسَوا عليك لكنْ لمحبَّتهمْ لكَ وإخلاصِهمْ في نُصْحكَ قَسَوا، وحالُهمْ كمنْ قسى ليزدجروا، وربما لمْ يُجاملوكَ وإنْ غضبتَ عليهم، لكنهمْ يُثمنون العواقبَ، ويرونَ نَصَبَكَ في الدنيا أهونَ منْ عذابِ الآخرة، أولئكَ فاحرصْ عليهمْ وتمسَّكْ بنُصْحِهم، وقدِ استطاعَ كعبٌ أن يتجاوزَ نُصحَ ومشورةَ الصنفِ الأولِ فأفلحَ وأنجح، وها هوَ يقول: على إثرِ صِدْقهِ معَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وأنه لا عُذْر له، فقمتُ- يعني من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثارَ رجالٌ منْ بني سَلِمة فاتبعوني، فقالوا لي: واللهِ ما علمناكَ أذنبتَ ذنبًا قبلَ هذا، ولقدْ عجزتَ في ألا تكونَ اعتذرتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذرَ إليه المخلَّفون، فقدْ كانَ كافيكَ ذنبُكَ واستغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، يقولُ كعب: فواللهِ ما زالوا يؤَنِّبونني حتى أردتُ أنْ أرجعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأكذِّبَ نفسي (٢).

كمْ نحنُ محتاجونَ للصدقِ معَ اللهِ ومعَ أنفسِنا- يا عبادَ الله- وهذا كعبٌ يبينُ لنا في نهاية قصّته إنهُ لمْ يُنجِهِ إلا الصدقُ، بلْ يعتبرها أعظمَ نعمةٍ بعدَ الإسلام، وما أحوَجنا كذلكَ إلى تجاوزِ الكذب، والحذر ممنْ يُلبِّسُ به، حتى وإنْ قيل لمن لا يحسن الكذب إنَّ هذا مسكينٌ وطيِّبُ القلبِ ولا يُحسنُ المخارج .. إلى غيرِ ذلكَ منْ عباراتٍ جارحهٍ للصدقِ والصادقين .. ومدحٍ وتلميعٍ للكذبِ


(١) سورة الطلاق، الآية: ٢.
(٢) مسلم (٢٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>