من كان أمينًا على الفتوى معتبرًا عند أهل الصنعة والعارفين بالحلال والحرام، فهو أهل للفتيا، والعلماء لا يحددون ولا يختارون عن طريق الانتخاب، ولا عن طريق التعيين الوظيفي، فكأي من عالم في تاريخ الأمة تصدر وعلا ذكره وأصبح إمامًا للأمة وهو لم يعرف المناصب، ولم تعرفه المناصب، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المنصب والولاية لا يجعل من ليس عالمًا مجتهدًا عالمًا مجتهدًا .. إلخ (١).
عباد الله وثمة داءان في التسرع غير المنضبط يلحقان العالم والمتعلم، أحدهما حين يتسرع العلماء في العلم، والآخر - وربما كان أسوأ - حين يسارع المتعالم في نقد العالم ..
أما المسارعة في العلم فقد يكون طريقًا للاختلاف والمنازعة والفرقة، كما قال ابن عباس وفهم حين قدم على عمر رضي الله عنه رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال (الرجل) يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا، فقلت (ابن عباس) والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني عمر ثم قال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئبًا حزينًا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا بمنزلة، ولا أراني إلا قد سقطت من نفسه، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، فبينا أنا على ذلك قيل لي: أجب أمير المؤمنين، فخرجت، فإذا هو قائم على الباب ينتظرني، فأخذ بيدي، ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفًا قلت يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت قال: لتخبرني، قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يَحْتَقُّوا، ومتى ما يَحْتَقُّوا يختصموا، ومتى