للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحياء والذوق الرفيع أن تأتي للناس مثل ما تحب أن يأتوه إليك .. وثمة أبرار حييون إذا خلوا من الناس خلوا بربهم يعبدونه ويبكون وإذا خالطوا الناس كانوا بالمعروف آمرين وعن المنكر ينهون لا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وربما بلغ بهم الإيمان أن فرحوا بكل نعمة تحصل لإخوانهم المسلمين وكأنما حصلت لهم ..

أيها المسلمون ومن لم يرزق الحياء بالفطرة، طُولب به بالقصد والاكتساب والتعلم، هو خلق الإسلام خاصة وأنه الخلق المميز لأتباع هذا الدين، كما جاء في الحديث الحسن: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء» (١).

لقد كان أهل الجاهلية- على جاهليتهم- يتحرجون من بعض القبائح بدافع الحياء، ومن ذلك ما جرى مع أبي سفيان عند هرقل، لما سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول في ذلك: «فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبًا، لكذبت عنه» (٢) اهـ.

ترى الرجل الحيي يحتقن وجهه، وتحمر وجنتاه، إذا صدر منه أو من غيره ما ينافي الحياء: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من عذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا رئي ذلك في وجهه» (٣)، ومن سمت الحياء: ما يتميز به الحيي من مظاهر الوقار والسكينة، إذ روي عن بُشير بن كعب قوله: (مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقارًا، وإن من الحياء سكينة) (٤) قال القرطبي: «معنى كلام بُشير: أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقر غيره، ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أنه يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا


(١) صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤٠٦ - الحديث ٣٣٧٠/ ٤١٨١ (حسن).
(٢) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي- باب ٦ - الحديث ٧ (الفتح ١/ ٣١).
(٣) صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤٠٦ - الحديث ٣٣٦٩ (صحيح).
(٤) صحيح البخاري - كتاب الأدب- باب: ٧٧ الحديث: ٦١١٧ (الفتح: ١٠/ ٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>