للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (١).

وحاصل ذلك أن جماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ففيه البينات والبراهين القاطعة ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، وليس تحت أديم السماء كتاب متضمّن للبراهين والآيات من التوحيد وإثبات المعاد والنبوات ورد النحل الباطلة والآراء الفاسدة مثل القرآن ... فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك .. ولكن ذلك موقوف على فهمه، ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله ذلك أبصر الحق والباطل عيانًا بقلبه كما يرى الليل والنهار .. وكما يرى الشمس ليس دونها سحاب.

وأما شفاء القرآن من مرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة .. فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عَّا يضره فيصير القلب محبًا للرشد مبغضًا للغي .. وهكذا يعود القلب إلى فطرته التي فطره الله عليها، فلا يقبل إلا الحق، ولا يفعل إلا الخير، وهكذا يزكو القلب ويطيب وتنساق له الجوارح بعمل الصالحات (٢)، وباختصار فالقرآن يذهب ما في القلوب من أمراض، من شك ونفاق، وشرك وزيغ، وقيل: ليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه (٣) وفي القرآن كذلك شفاء للأجسام إذا رقيت به وفيها بلاء، كما يدل على ذلك قصة اللديغ الذي رُقيَ بالفاتحة وهي صحيحة ومشهورة (٤).


(١) سورة الإسراء، الآية: ٨٢.
(٢) إغاثة اللهفان ١/ ٥٦ - ٥٨، بتصرف واختصار.
(٣) تفسير ابن كثير ٥/ ١١٠.
(٤) خرجها الشيخان في صحيحيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>