للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلخ القصيدة (١).

وأبلغ من ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (٢). وقوله جل ذكره: {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (٣). وأمام هذه الحقيقة الماثلة يحتاج المسلم- بل العامل- إلى نوع من التعامل يجنّبه مزالق الطريق، ويجاوزه العقبات، وإلى نمط من الأخلاق يخفف عنه الصدمات ويسوي عنه حين الشدائد والأزمات، ويرشد الإسلام- فيما يرشد- إلى الخروج من المأزق بالتزام الهدوء وعدم العجلة والطيش في التصرفات، ويهدي النبي صلى الله عليه وسلم خصلتين حبيبتين يحبهما الله ويقول عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والآناة» (٤).

وما أعز هاتين الخصلتين في الناس، وما أشد حاجتهما إليهما، أما الحلم فهو العقل، وأما الأناة فهي التثبت وترك العجلة (٥).

والحلم أفضل من كظم الغيظ، لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدةً صار ذلك اعتيادًا، فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وهو الحلم الطبيعي. وكذلك تدرب النفس على الحلم بالتحلم، كما حكاه الغزالي، يرحمه الله (٦).


(١) أنظر مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق لابن حزم ص ٨٣، ٨٤ حاشية.
(٢) سورة البلد، الآية: ٤.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١٨٥.
(٤) الحديث رواه مسلم وغيره (صحيح مسلم ١/ ٤٨ ح ٢٥).
(٥) كما ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله (شرح مسلم ١/ ١٨٩).
(٦) الإحياء ٩/ ١٦٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>