للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاروق عمر رضي الله عنه بكياسة أبي موسى، ومن هو الفاروق في تقويم الرجال؟ (ألا إنه كيِّس وإلا تسمعها إياه).

والقضية مرفوضة ثانيًا بميزان العلم والنقد، وليس نقد السند بأقل من نقد المتن، فرواتها الذين صدروها ابتداء متهمون وهم من أهل الأهواء والبدع ويكفي أن فيها أبا مخنف، لوط بن يحيى، وهو شيعي محترق كما قال أهل العلم، ومشهور بالكذب والافتراء والدس والتشويه في التاريخ، عمومًا وأحداث الفتنة بين الصحابة خصوصًا.

قال الحافظ الذهبي رحمه الله: ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى رضي الله عنه لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه عزله، وعزل معاوية وأشار بابن عمر فما انتظم من ذلك حال (١).

إخوة الإسلام، وإذا رفضنا هذه المرويات الكاذبة لسقوطها سندًا ومتنًا فما هي الرواية الصحيحة في التحكيم والتي تليق بمقام الصحابة رضوان الله عليهم؟ هناك رواية أخرجها البخاري في تاريخه مختصرًا بسند رجال ثقات، وأخرجها ابن عساكر مطولاً عن الحضين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو ابن العاص فقال له: (إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره- يعني في مسالة التحكيم بينه وبين أبي موسى الأشعري- فأته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه، كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن لما اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض قال- عمرو- فقلت أين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يُستغنى


(١) سير أعلام النبلاء ٢/ ٣٩٤،

<<  <  ج: ص:  >  >>