للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشهد الواقع أن عددًا من الناس يملكون القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث، ومع ذلك يعيشون النكد في حياتهم ولا يشعرون بلذة المال، ولا راحة البدن، كدحًا وتفكيرًا، وهمومًا، ومشاجرة وخصومة، ومنعًا وحرمانًا للفقراء والمساكين، والأصحاب الأقربين.

ويهدي الحديث ثانيًا أن الآخرة هي الأصل في تفكير الإنسان، وهي التي تستحق أن تبذل لها الأوقات، ويتنافس فيها المتنافسون، وهي التي ينبغي أن تستحوذ على تفكير الإنسان، وفيها ينبغي أن تكون همومه وآماله وأمانيه. وفوقها ما في التفكير في الآخرة من جمع الشمل، وإراحة الفكر، وغنى النفس، فليس يفوت على الإنسان بسبب الانشغال بها ما كتب الله له من نصيبه في الحياة الدنيا.

وفي مقابل ذلك فإن كثرة التفكير في الدنيا لا يدعو إلى الغنى ولا يسلم صاحبها من تشتت الشمل، بل هو طريق إلى الفقر، إذ ليس يأتي للمرء من الدنيا إلا ما قدر الله له وقضى.

وعلينا- إخوة الإسلام- ونحن نعي هذا الحديث جيدًا أن نعي معه الحديث الآخر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» (١).

والله تعالى يمتحن الناس بهذا المال، كما يمتحنهم بالأزواج والأولاد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (٢).


(١) حديث صحيح رواه الترمذي، صحيح سنن الترمذي ٢/ ٧٣.
(٢) سورة التغابن، الآيتان: ١٤، ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>