للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبقى بعد ذلك دور الجهات المسؤولة في تنفيذ الأحكام، فلا يأخذ المسؤول لومة لائم في تطبيق الحدود وإقامة شرع الله كما أمر، (فالله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وبعض الناس يخيفه عذاب الدنيا ويخشى العار من الخلق أكثر من خوفه من عذاب الله، وخشيته من الفضيحة الكبرى، وهؤلاء لا تردعهم إلا القوة، ولا يصلح معهم الضعف والمسامحة، والله تعالى وهو أرحم الراحمين يقوله في تطبيق الحدود على الزناة: {وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (١).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى كلامًا جميلاً ومما قاله: وبهذا يتبين لك أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (٢). فمن ترك هذه الرحمة النافعة كرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق .. إلى أن يقول: ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وذوقه ما ذاقوا من قوة الشهوة وبرودة القلب والديانة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة وهو في ذلك أظلم الناس وأريثهم في حق نفسه ونظائره، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرراته فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين) (٣).

نعوذ بالله من الخذلان، ونسألك اللهم البعد عن الفواحش، والدياثة وسيء الأخلاق.


(١) سورة النور، الآية: ٢.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٥٧.
(٣) الفتاوى ١٥/ ٢٩٠/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>