للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقدرٍ إلهي واقع؟ كلا .. والذين ينظرون بنور الله، ويقرؤون آياته ويحسنون الظنَّ بالله لا تروعهم الأحداث مهما كانت جسامتها ولا يفقدون الثقة بأنفسهم ولا يسيئون الظنَّ بربهم مهما أظلم الليلُ وهاجت الأعاصير، وأخافت أصوات الرعود والبروق، أولئك يفقهون قوله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (١).

قال أبو عبيدة (عسى) من الله إيجاب، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقَّة وهو خيرٌ لكم، في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدًا، وعسى أن تحبوا الدَّ عةَ وترك القتال وهو شرٌ لكم، في أنكم تُغلبون وتُذلون ويذهب أمركم، قال القرطبي رحمه الله: تعليقًا على هذه الآية: وهذا صحيحٌ لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد وجنبوا عن القتال، وأكثروا من الفرار، فاستولى العدوُّ على البلاد، وأي بلاد؟ وأسر، وقتل، وسبى واسترق، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته.

وقال الحق- في معنى الآية- لا تكرهوا الملمات الواقعة، فلربَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولربَّ أمرٍ تحبه فيه عطبك (٢).

أيها المسلمون، هكذا يدرك العارفون فقه النوازل، وكذلك ينبغي أن ينظر المسلم بنور الله إلى الفتن والحوادث.

إن الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس، وطبائع القلوب، ودرجة الغبش فيها والصفاء، ودرجة الهلع فيها


(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٦.
(٢) تفسير القرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>